المقالات
مقالات د. عبدالله الحريري
متى تقرر الدولة فطم المواطن وظيفياً؟
متى تقرر الدولة فطم المواطن وظيفياً؟
04-20-2015 11:32

في الدول التي تجاوزت مرحلة الوطنية التي يتفق فيها المجتمع على وحدة المصير والشراكة في البناء والوحدة إلى المواطنة التي تعني المسؤولية والشراكة بمفهومها الشامل والعمل المدني بجناحيه التطوعي والخاص يصبح الفرد أكثر حرية في اختيار العمل الذي يقدم به وأكثر توكيديه مع نفسه، فمنهم من يقرر أن يعمل لمدة خمس سنوات في كل وظيفة ويغير إلى وظيفة أخرى وآخرون يقررون الاستقالة من العمل والبدء بعمل خاص وهكذا المهم أن البقاء في العمل ليس هاجساً أو هدفاً استراتيجياً للحياة مع أن هناك فئة منهم تنتظر التقاعد وخاصة موظفي القطاع العام ولكنه لا يجلس ويموت بعد التقاعد بل تبدأ حياة أخرى له بعد تلك المرحلة.

وبالمقابل في دولنا الصاعدة في النمو تمثل الوظيفة العامة الهاجس والحلم، فالجميع يدرس حتى يتوظف في مؤسسات الدولة، والجميع يتوسط ويقدم شفاعته حتى يتوظف فلان في القطاع الحكومي لان الوظيفة ضمان اجتماعي وحياتي ولأن المجتمع ورث من جيل الأوائل الذين عاشوا مرحلة ما قبل النفط حالة من الجوع والخوف أدت إلى تشكيل البناء المعرفي عند غالبية جيل المخضرمين وحتى أن هناك مقولة لا إرادية تصدر من البعض إذا تأخر الطعام «ترى بنموت من الجوع» علماً بأن جميع أمراضنا في مرحلة الرفاهية هي بسبب الأكل الجائر.

إذاً لماذا نقلق إذا لم نجد الوظيفة الحكومية ونخاف إذا ما فكرنا في تركها ونتعب ونمرض إذا تركناها؟ اعتقد هذه المعادلة السلوكية والفكرية طبيعة في المجتمعات التي ترعاها الدول رعاية كاملة لدرجة أن تعلق الفرد بالوظيفة الحكومية أشبه بتعلق الطفل الرضيع بأمه فقد تجد الأم المتاعب حتى تفطمه منها ومن حضانة البيت إلى المدرسة وعندما تريد الدول تنويع مصادر اقتصادها وإعطاء القطاع الخاص دوراً فعالاً ودفع المواطنين لتأسيس المنشآت الصغيرة والمتوسطة فانه يتطلب منها إعادة تركيب البنية المعرفية لدى المجتمع ومقدمي الخدمات فحتى مقدم الخدمة أو مانح الترخيص مازالوا لا يريدون أن يخرج من إطار المؤسسة الحكومية العميقة التي تقوم على مجموعة معقدة من الإجراءات والأفكار وكأن هناك سلوكاً لا إرادياً لأولئك المتلذذين في تعقيد الناس يقول يجب عليك أيها المواطن الذي تريد أن تستقل بعملك أن تعود إلى حضانة الدولة وهي الوظيفة الحكومية، وهناك أمثلة على ذلك من أفراد حاولوا تأسيس عمل خاص بهم ولكنهم عادوا للبحث عن وظيفة الدولة؛ نظراً لما واجههم من عقبات وخسائر أعادت لهم سيناريو الخوف من المستقبل والقلق وعدم الشعور بالأمان.

هناك قاعدة معروفة تقول إن الوظيفة لم توجد إلا لكي نفصل منها ولا نستمر فيها ما عدا وظيفة الإنسان في الحياة بمفهومها الشامل فليست هناك وظيفة إلا واستقال منها الموظف أو تقاعد تقاعداً مبكراً أو تقاعدا قصرياً بنهاية المدة، وإذا استطاع الإنسان أن يؤمن بهذه القاعدة فان تصرفه تجاه أهدافه وإستراتيجيته في الحياة سيتغير ويتخلص من عقدة الخوف والقلق من أن الوظيفة هي التي تمنحه الأمان، بل سيصبح هو من يصنع الوظيفة الحرة التي تحقق له الراحة والأمان والاستمرارية حتى يموت.

الدولة الأبوية عندما تريد أن تحقق معدلات نمو مرتفعة لاقتصادها وتنوعا لمصادر الدخل وإصلاح السلوك والفكر الاجتماعي من مجتمع ينمو نمواً بطيئاً إلى مجتمع أكثر نمواً وتقدماً ومسئولية وإنتاجية فلابد من حزمة عاجلة وحاسمة وحازمة من الإصلاحات الإدارية وتطويع القوانين والأنظمة لدعم هذا التوجه وتكريس مبدأ المرونة والسهولة في الإجراءات حتى ينفطم المواطن منها ومن الوظيفة الحكومية.

لمشاهدة المقال من المصدر أضغط على الرابط التالي:
http://www.alyaum.com/article/4057663

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 309


خدمات المحتوى


د.عبد الله الحريري
د.عبد الله الحريري

تقييم
1.00/10 (24 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.